فصل: ذكر ولاية أبي العباس صقلية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ذكر عدة حوادث

وفيها قدم الحسين بن عبد الله المعروف بابن الجصاص من مصر بهدايا عظيمة من خمارويه فتزوج المعتضد ابنة خمارويه‏.‏

وفيها ملك أحمد بن عيسى بن الشيخ قلعة ماردين وكانت بيد محمد بن إسحاق بن كنداجيق‏.‏

وحج بالناس هذه السنة هارون بن محمد وهي آخر حجة حجها وأول حجة حجها بالناس سنة أربع وستين ومائتين إلى هذه السنة‏.‏

وفيها توفي أبوعيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي السلمي بترمذ في رجب وكان إمامًا حافظًا له تصانيف حسنة منها‏:‏ الجامع الكبير في الحديث وهوأحسن الكتب وكان ضريرًا

 حوادث سنة ثمانين ومائتين

  ذكر حبس عبد الله بن المهتدي

في هذه السنة أخذ المعتضد عبد الله بن المهتدي ومحمد بن الحسين المعروف بشميلة وكان شميلة هذا مع صاحب الزنج إلى آخر أيامه ثم لحق بالموفق في الأمان فأمنه‏.‏

وكان سبب أخذه إياه أن بعض المستأمنة سعى به إلى المعتضد وأنه يدعولرجل لا يعرف اسمه وأنه قد أفسد جماعة من الجند وغيرهم فأخذه المعتضد فقرره فلم يقرر بشيء وقال‏:‏ لو كان الرجل تحت قدمي ما رفعتهما عنه‏!‏ فأمر به فشد على خشبة من خشب الخيم ثم أوقدت نار عظيمة وأدير على النار حتى تقطع جلده ثم ضربت عنقه وصلب عند الجسر وحبس عبد الله بن المهتدي إلى أن علم براءته وأطلقه وكان المعتضد قثال لشميلة‏:‏ بلغني أنك تدعوإلى ابن المهتدي فقال‏:‏ المشهور عني أنني أتولى آل أبي طالب‏.‏

  ذكر قصة المعتضد بني شيبان وصلحة معهم

وفيها في أول صفر سار المعتضد من بغداد يريد بني شيبان بالموضع الذي يجتمعون به من أرض الجزيرة فلما بلغهم قصده جمعوا إليهم أموالهم وأغار المعتضد على أعراب عند السن فنهب أموالهم وقتل منهم مقتلة عظيمة وغرق منهم في الزاب مثل ذلك وعجز الناس عن حمل ما غمنوه فبيعت الشاة بدرهم والبعير بخمسة دراهم‏.‏

وسار إلى الموصل وبلد فلقيه بنو شيبان يسألونه العفو ويبذلوا له رهائن فأجابهم إلى ما طلبوا وعاد إلى بغداد وأرسل إلى أحمد بن عيسى بن الشيخ يطلب منه ما أخذه من أموال ابن كنداجيق بآمد فبعثه إليه ومعه هدايا كثيرة‏.‏

  ذكر خروج محمد بن عبادة على هارون وكلاهما خارجيان

في هذه السنة خرج محمد بن عبادة ويعرف بأبي جوزة وهومن بني زهير من أهل قبراثا من البقعاء على هارون وكلاهما من الخوارج وكان أول أمره فقيرا وكان هووابنان له يلتقطون الكمأة ويبيعونها إلى غير ذلك من الأعمال ثم إنه جمع جماعة وحكم فاجتمع إليه أهل تلك النواحي من الأعراب وقوي أمره وأخذ عشر الغلات وقبض الزكاة وسار إلى معلثايا فقاطعه أهلها على خمسمائة دينار وجبى تلك الأعمال وعاد وبنى عند سنجار حصنا وحمل إليه الأمتعة والميرة وجعل فيه ابنه أبا هلال ومعه مائة وخمسون رجلًا من وجوه بني زهير وغيرهم‏.‏

ووصل خبرهم إلى هارون الشاري فاجتمع رأيه ورأي وجوه أصحابه على قصد الحصن أولا فإذا فرغوا منه ساروا إلى محمد بن عباده فجمع أصحابه فبلغوا مائة راجل وألفًا ومائتي فارس وسار إليه مبادرا وأحدق به وحصره ومحمد بن عبادة في قيراثا لا يعلم بذلك‏.‏

وجد هارون في قتال الحصن وكان معه سلاليم قد أخذها وزحف إليه وكان أصحابه قد منعوا أحدًا يخرج رأسه من أعلى السور فلما رأى من معه من بني تغلب تغلبه على الحصن أعطوا من فيه من بني زهير الأمان بغير أمر هارون فشق عليه ولم يقدر على تغيير ذلك إلا أنه قتل أبا هلال بن محمد بن عبادة ونفرًا معه قبل الأمان وفتحوا الحصن وملكوا ما فيه‏.‏

وساروا إلى محمد وهوبقبراثأن فلقوه وهوفي أربعة آلاف رجل فاقتتلوأن فانهزم هارون ومن معه فوقف بعض أصحابه ونادى رجالًا بأسمائهم فاجتمعوا نحوأربعين رجلأن وحملوا على ميمنة محمد بن عبادة فانهزمت الميمنة وعادت الحرب فانهزم محمد ومن معه ووضعوا السيف فيهم فقتلوا منهم ألفًا وأربع مائة رجل وحجز بينهم الليل وجمع هارون مالهم فقسمه بين أصحابه وانهزم محمد إلى آمد فأخذه صاحبها أحمد ابن عيسى بن الشيخ بعد حرب فظفر به فأخذه أسيرأن وسيره إلى المعتضد فسلخ جلده كما يسلخ الشاة‏.‏

لما افتتح محمد بن أبي الساج مراغة بعد حرب شديدة وحصار عظيم أخذ عبد الله الحسين بعد أن أمنه وأصحابه وقيده وحبسه وقرره بجميع أمواله ثم قتله‏.‏

وفيها مات أحمد بن ثور عمان وبعث برؤوس جماعة من أهلها‏.‏

وفيها توفي جعفر بن المعتمد في ربيع الآخر وكان ينادم المعتضد‏.‏

وفيها دخل عمروبن الليث نيسابور في جمادى الأولى‏.‏

وفيها وجه محمد بن أبي الساج ثلاثين نفسًا من الخوارج من طريق الموصل فضربت أعناق أكثرهم وحبس الباقون‏.‏

وفيها دخل أحمد بن أبا طرسوس للغزاة من قبل خمارويه بن أحمد ابن طولون ودخل بعده بدر الحمامي فغزوا جميعًا مع العجيفي أمير طرسوس حتى بلغوا البلقسون‏.‏

وفيها غزا إسماعيل بن أحمد الساماني بلاد الترك وافتتح مدينة ملكهم وأسر أباه وامرأته خاتون ونحوًا من عشرة آلاف وقتل منهم خلقًا كثيرا وغمن من الدواب ما لا يعلم عددا وأصاب الفارس من الغنيمة ألف درهم‏.‏

وفيها توفي راشد مولى الموفق بالدينور وحمل إلى بغداد في رمضان‏.‏

وفي شوال مات مسرور والبلخي‏.‏وفي شوال انكسف القمر وأصبح أهل دبيل والدنيا مظلمة ودامت الظلمة عليهم فلما كان عند العصر هبت ريح سوداء فدامت إلى ثلث الليل فلما كان ثلث الليل زلزلوا فخربت المدينة ولم يبق من منازلهم إلا قدر مائة دار وزلزلوا بعد ذلك مس مرار وكان جملة من أخرج من تحت الردم مائة ألف وخمسون ألفًا كلهم موتى‏.‏

وحج بالناس هذه السنة أبوبكر محمد بن هارون بن إسحاق المعروف بابن ترنجة‏.‏

وفيها توفي محمد بن إسماعيل بن يوسف أبوإسماعيل الترمذي في رمضان وله تصنيف حسنة واحمد بن سيار بن أيوب الفقيه المروزي وكان زاهدًا عالمًا وأبوجعفر أحمد بن أبي عمران الفقيه الحنفي بمصر‏.‏

  حوادث سنة إحدى وثمانين ومائتين

  ذكر مسير المعتضد إلى ما ردين وملكه إياها

وفيها خرج المعتضد الخرجة الثانية إلى الموصل قاصدًا لحمدان بن حمدون لأنه بلغه أن حمدان مال إلى هارون الشاري ودعا له فلما بلغ الأعراب والأكراد مسير المعتضد تحالفوا أنهم يقتلون على دم واحد واجتمعوأن وعبوا عسكرهم وسار المعتضد إليهم في خيله جريدة فأوقع بهم وقتل منهم وغرق منهم في الزاب خلق كثير‏.‏

وسار المعتضد إلى الموصل يريد قلعة ماردين وكانت لحمدان بن حمدون فهرب حمدان منها وخلف ابنه بهأن فنازلها المعتضد وقاتل من فيها يومه ذلك فلما كان من الغد ركب المعتضد فصعد إلى باب القلعة وصاح‏:‏ يا بن حمدان‏!‏ فأجابه فقال‏:‏ افتح الباب ففتحه فقعد المعتضد في الباب وأمر بنقل ما في القلعة وهدمها ثم وجه خلف ابن حمدون وطلب اشد الطلب وأخذت أموال له ثم ظفر به المعتضد بعد عوده إلى بغداد‏.‏

وفي عوده قصد السنية وبها رجل كردي يقال له شداد في جيش كثير قيل كانوا عشرة آلاف رجل وكان له قلعة فظفر به المعتضد وهدم قلعته‏.‏

  ذكر عدة حوادث

وفيها ورد ترك بن العباس عامل المعتضد على ديار مضر من الجزيرة إلى بغداد ومعه نيف وأربعون من أصحاب ابن الأغر صاحب سميساط على جمال عليهم برانس ودراريع حرير فمضى بهم إلى الحبس وعاد إلى داره‏.‏

وفيها كات وقعة لوصيف خادم ابن أبي الساج لعمر بن عبد العزيز فهزمه ثم سار وصيف إلى مولاه محمد بن أبي الساج‏.‏

وفيها دخل طغج بن جف طرسوس لغزوالصائفة من قبل خمارويه ابن احمد بن طولون فبلغ طرابزون وفتح بلودية في جمادى الآخرة‏.‏

وفيها مات أحمد بن محمد الطائي بالكوفة في جمادى‏.‏

وفيها غارت المياه بالري وطبرستان‏.‏

وفيها سار المعتضد إلى ناحية الجبل وقصد الدينور وولى ابنه عليا وهوالمكتفي الري وقزوين وزنجان وأبهر وقم وهمذان والدينور وجعل على كتابته أحمد بن الأصبغ وقلد عمر بن عبد العزيز ابن أبي دلف أصبهان ونهاوند والكرج وعاد إلى بغداد لأجل غلاء السعر‏.‏

وفيها استأمن الحسن بن علي كورة عامل رافع على الري إلى علي بن المعتضد في زهاء ألف رجل فوجهه ومن معه إلى أبيه‏.‏

وفيها دخل الأعراب سامرا فقتلوا ابن سيما في ذي القعدة‏.‏

وفيها غزا المسلمون الروم فدامت الحرب بينهم اثني عشر يوما فظفر المسلمون وغمنوا غنيمة

وفيها توفي عبيد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا صاحب التصانيف الكثيرة المشهورة‏.‏

  حوادث سنة اثنتين وثمانين ومائتين

  ذكر النيروز المعتضدي

فيها أمر المعتضد بالكتابة إلى الأعمال كلها جميعها بترك افتتاح الخراج في النيروز العجمي وتأخير ذلك إلى الحادي عشر من حزيران وسماه النيروز المعتضدي وأنشئت الكتب بذلك من الموصل والمعتضد بها وأراد بذلك الترفيه عن الناس والرفق بهم‏.‏

  ذكر قصد حمدان وانهزامه وعوده إلى الطاعة

في هذه السنة كتب المعتضد إلى إسحاق بن أيوب وحمدان بن حمدون بالمسير إليه وهوفي الموصل فبادر إسحاق وتحصن حمدان بقلاعه وأودع أمواله وحرمه فسير المعتضد الجيوش نحوه مع وصيف موشكير ونصر القشوري وغيرهما فصادفوا الحسن بن علي كورة وأصحابه متحصنين بموضع يعرف بدير الزعفران من أرض الموصل‏.‏

وفيها وصل الحسين بن حمدان بن حمدون فلما رأى الحسين أوائل العسكر طلب الأمان فأمن وسير إلى المعتضد وسلم القلعة فأمر المعتضد بهدمها وسار وصيف في طلب حمدان وكان بباسورين فواقعه وصيف وقتل من أصحابه جماعة وانهزم حمدان في زورق كان له في دجلة وحمل معه مالًا كان له وعبر إلى الجانب الغربي من دجلة فصار في ديار ربيعة‏.‏

وعبر نفر من الجند فاقتصوا أثره حتى أشرفوا على دير قد نزله فلما رآهم هرب وترك ماله فأخذ وأتي به المعتضد وسار أولئك في طلب حمدان فضاقت عليه الأرض فقصد خيمة إسحاق بن أيوب وهومع المعتضد واستجار به فأحضره إسحاق عند المعتضد فأمر بالاحتفاظ به وتتابع رؤساء الأكراد في طلب الامان وكان ذلك في المحرم‏.‏

  ذكر انهزام هارون الخارجي من عسكر الموصل

كان المعتضد بالله قد خلف بالموصل نصرًا القشوري يجبي الأموال ويعين العمال على جبايتها فخرج عامل معلثايا إليها ومعه جماعة من أصحاب نصر فوقع عليهم طائفة من الخوارج فاقتتلوا إلى أن أدركهم الليل وفرق بينهم وقتل من الخوارج إنسان اسمه جعفر وهومن أعيان أصحاب هارون فعظم عليه قتله وأمر أصحابه بالإفساد في البلاد‏.‏

فكتب نصر القشوري إلى هارون الخارجي كتابًا يتهدده بقرب الخليفة وأنه إن هم به أهلكه وأهلك أصحابه وأنه لا يغتر بمن سار إلى حربه فعاد عنه بمكر وخديعة فكتب إليه هارون كتابًا منه‏:‏ أما ما ذكرت ممن أراد قصدي ورجع عني فإنهم لما رأوا جدنا واجتهادنا كانوا بإذن الله فراشًا متتابعا وقصبًا أجوف ومن صبر لنا منهم ما زاد على الاستتار بالحيطان ونحن على فرسخ منهم وما غرك إلا ما أصبت به صاحبنا فظننت أن دمه مطلول أو أن وتره متروك لك كلا إن الله تعالى من ورائك وآخذ بناصيتك ومعين على إدراك الحق منك ولم تعيرنا بغيرك وتدع أن يكون ذلك إبداء صفحتك وإظهار عداوتك وإنا كما قيل‏:‏ فلا توعدونا باللقاء وأبرزوا إلينا سوادًا نلقه بسواد ولعمر الله ما ندعوإلى البراز ثقة بأنفسنا ولا عن ظن أن الحول والقوة لنا لكن ثقة بربنا واعتمادًا على جميل عوائده عندنا‏.‏

وأما ما ذكرت من أمر سلطانك فإن سلطانك لا يزال منا قريبا وبحالنا عالما فلا قدم أجلًا ولا أخره ولا بسط رزقًا ولا قبضه قد بعثنا على مقابلتك وستعلم عن قريب إن شاء الله تعالى‏.‏

فعرض نصر كتاب هارون على المعتضد فجد في قصده وولى الحسن بن علي كورة الموصل

وأمره بقصد الخوارج وأمر مقدمي الولايات والأعمال كافة بطاعته فجمعهم وسار إلى أعمال الموصل وخندق على نفسه وأقام إلى أن رفع الناس غلاتهم ثم سار إلى الخوارج وعبر الزاب إليهم فلقيهم قريبًا من المغلة وتصافوا للحرب فاقتلوا قتالًا شديدا وانكشف الخوارج عنه ليفرقوا جمعيته ثم يعطفوا عليه فأمر الحسن أصحابه بلزوم مواقفهم ففعلوا فرجع الخوارج وحملوا عليهم سبع عشرة حملة فانكشفت ميمنة الحسن وقتل من أصحابه وثبت هو فحمل الخوارج عليه حملة رجل واحد فثبت لهم وضرب على رأسه عدة ضربات فلم تؤثر فيه‏.‏

فلما رأى أصحابه ثباته تراجعوا إليه وصبروا فانهزم الخوارج أقبح هزيمة وقتل منهم خلق كثير وفارقوا موضع المعركة ودخلوا أذربيجان‏.‏

وأما هارون فإنه تحير في أمره وقصد البرية ونزل عند بني تغلب ثم عاد إلى معلثايا ثم عاد إلى البرية ثم رجع عبر دجلة إلى حزة وعاد إلى البرية‏.‏

وأما وجوه أصحابه فإنهم لما رأوا إقبال دولة المعتضد وقوته وما لحقهم في هذه الوقعة راسلوا المعتضد يطلبون الأمان فأمنهم فأتاه كثير منهم يبلغون ثلاثمائة وستين رجلا وبقي معه بعضهم يجول بهم في البلاد إلى أن قتل سنة ثلاث وثمانين على ما نذكره‏.‏

في هذه السنة في ربيع الأول قبض على تكتمر بن طاشتمر وقيد وأخذ ماله وكان أميرًا على الموصل واستعمل بعده عليها الحسن بن علي الخراساني ويعرف بكورة‏.‏

وفيها قدم ابن الجصاص بابنة خمارويه زوجة المعتضد ومعها أحد عمومتها وكان المعتضد بالموصل‏.‏

وفيها عاد المعتضد إلى بغداد وزفت إليه ابنة خمارويه في ربيع الآخر‏.‏

وفيها سار المعتضد إلى الجبل فبلغ الكرج وأخذ أموالًا لابن أبي دلف وكتب إلى عمروبن عبد العزيز يطلب منه جوهرًا كان عنده فوجه به إليه وتنحى من بين يديه‏.‏

وفيها أطلق لؤلؤ غلام ابن طولون وحمل على دواب وبغال‏.‏

وفيها وجه يوسف بن أبي الساج إلى الصيمرة مددًا لفتح القلانسي غلام الموفق فهرب يوسف فيمن أطاعه إلى أخيه محمد بمراغة ولقي مالًا للمعتضد فأخذه فقال في ذلك عبيد الله بن عبد الله بن طاهر‏:‏ إمام الهدى أنصاركم آل طاهر بلا سبب تخفون والدهر يذهب وقد خلطوا شكرًا بصبر ورابطوا وغيرهم يعطي ويجبي ويهرب وفيها وجه المعتضد وزيره عبيد الله بن سليمان إلى ابنه الري وعاد منها‏.‏

وفيها وجه محمد بن زيد العلوي من طبرستان إلى محمد بن ورد العطار باثنين وثلاثين ألف دينار ليفرقها على أهل بيته ببغداد والكوفة والمدينة فسعي به إلى المعتضد فأحضر محمد عنه بدر وسئل عن ذلك فأقر أنه يوجه إليه كل سنة مثل ذلك ففرقه وأنهى بدر إلى المعتضد ذلك فقال له المعتضد‏:‏ أما تذكر الرؤيا التي خبرتك بها قال‏:‏ لا يا أمير المؤمنين قال‏:‏ رأيت في النوم كأني أريد ناحية انهروان وأنا في جيشي إذ مررت برجل واقف على تل يصلي ولا يلتفت إلي فعجبت فلما فرغ من صلاته قال لي‏:‏ أقبل قأقبلت إليه فقال لي‏:‏ أتعرفني قلت‏:‏ لا‏!‏ قال‏:‏ أنا علي بن أبي طالب خذ هذه فاضرب بها الأرض بمسحاة بين يديه فأخذتها فضربت بها ضربات فقال لي‏:‏ إنه سيلي من ولدك هذا الأمر بعدد الضربات فأوصهم بولدي خيرًا‏.‏

وأمر بدرًا بإطلاق المال والرجل وأمره أن يكتب إلى صاحبه بطبرستان أن يوجه ما يريد ظاهرا وأن يفرق ما يأتيه ظاهرا وتقدم بمعونته على ذلك‏.‏

وفيها توفي أبوطلحة منصور ين مسلم في حبس المعتضد‏.‏

وفيها ولدت جارية اسمها شغب للمعتضد ولدًا سماه جعفرا وهوالمقتدر‏.‏

وفيها قتل خمارويه بن احمد بن طولون ذبحه بعض خدمه على فراشه في ذي الحجة بدمشق

وكان سبب قتله أنه سعى إليه بعض الناس وقال له إن جواري داره قد اتخذت كل واحدة منهم خصيا من خصيان داره لها كالزوج وقال‏:‏ إن شئت أن تعلم صحة ذلك فأحضر بعض الجواري فاضربها وقررها حتى تعلم صحة ذلك‏.‏

فبعث من وقته إلى نائبه بمصر يأمره بإحضار عدة من الجواري ليعلم الحال منهن فاجتمع جماعة من الخدم قرروا بينهم الاتفاق على قتله خوفًا من ظهور ما قيل له وكانوا خاصته فذبحوه ليلًا وهربوا‏.‏

فلما قتل اجتمع القواد وأجلسوا ابنه جيش بن خمارويه في الإمارة وكان معه بدمشق وهوأكبر ولده فبايعوه ففرقت فيهم الأموال وكان صبيًا غرًا‏.‏

وفيها توفي عثمان بن سعيد بن خالد أبوسعيد الداري الفقيه الشافعي أخذ الفقه عن البويطي صاحب الشافعي والأجرب عن ابن الأعرابي‏.‏وفيها توفي أبوحنيفة أحمد بن داود الدينوري اللغوي صاحب كتاب النبات وغيره‏.‏

وفيها توفي الحارث بن أبي أسامة وله مسند يروى غالبًا في زماننا هذا وأبوالعيناء محمد بن القاسم وكان يروي عن الأصمعي‏.‏

  حوادث سنة ثلاث وثمانين ومائتين

في هذه السنة سار المعتضد إلى الموصل بسبب هارون الشاري وظفر به‏.‏

وسبب الظفر به أنه وصل إلى تكريت وأقام بها وأحضر الحسين بن حمدان التغلبي وسيره في طلب هارون بن عبد الله الخارجي في جماعة من الفرسان والرجالة فقال له الحسين‏:‏ إن أنا جئت به فلي ثلاث حوائج عند أمير المؤمنين قال‏:‏ اذكرها‏!‏ قال‏:‏ إحداهن إطلاق أبي وحاجتان أذكرهما بعد مجيئي به‏.‏

فقال له المعتضد‏:‏ لك ذلك‏.‏

فانتخب ثلاثمائة فارس وسار بهم معهم وصيف بن موشكير فقال به الحسين‏:‏ تأمره بطاعتي يا أمير المؤمنين‏.‏ فأمره بذلك‏.‏

وسار بهم الحسين حتى انتهى إلى مخاضة في دجلة فقال الحسين لوصيف ولمن معه‏:‏ ليقفوا هناك فإنه ليس له طريق إن هرب غير هذا فلا تبرحن من هذا الموضع حتى يمر بكم فتمنعوه عن العبور وأجيء أنا أويبلغكم أني قتلت‏.‏

ومضى حسين في طلب هارون فلقيه وواقعه وقتل بينهما قتلى وأنهزم هارون وأقام وصيف على المخاضة ثلاثة أيام فقال له أصحابه‏:‏ قد طال مقامنا ولسنا نأمن أن يأخذ حسين الشاري فيكون له الفتح دوننا والصواب أن منضي في آثارهم فأطاعهم ومضى‏.‏

وجاء هارون منهزمًا إلى موضع المخاضة فعبر وجاء حسين في أثره فلم ير وصيفًا وأصحابه في الموضع الذي تركهم فيه ولا عرف لهم خبرأن فعبر في أثر هارون وجاء إلى حي من أحياء العرب فسأل عنه فكتموه فتهددهم فاعلموه أنه اجتاز بهم فتبعه حتى لحقه بعد أيام وهارون في نحومائة رجل فناشده الشاري ووعده وأبى حسين إلا محاربته فحاربه فألقى الحسين نفسه عليه فأخذه أسيرًا وجاء به إلى المعتضد فانصرف المعتضد إلى بغداد فوصلها لثمان بقين من ربيع الأول‏.‏وخلع المعتضد على الحسين بن حمدان وطوقه وخلع على إخوته وأدخل هارون على الفيل وأمر المعتضد بحل قيود حمدان بن حمدون والتوسعة عليه والإحسان إليه ووعد بإطلاقه‏.‏

ولما أركبوا هارون على الفيل أرادوا أن يلبسوه ديباجًا مشهرا فامتنع وقال‏:‏ هذا لا يحل فألبسوه كارها ولما صلب نادى بأعلى صوته‏:‏ لا حكم إلا لله ولوم كره المشركون وكان هارون صفريًا‏.‏

  ذكر عصيان دمشق على جيش بن خمارويه وخلاف جنده عليه وقتله

في هذه السنة خرج جماعة من قواد جيش بن خمارويه عليه وجاهروا بالمخالفة وقالوا‏:‏ لا نرضى بك أميرا فاعتزلنا حتى نولي عمك الإمارة‏.‏

وكان سبب ذلك أنه لما ولي وكان صبيًا قرب الأحداث والسفل وأخلد إلى استماع أقوالهم

فغيروا نيته على قواده وأصحابه وصار يقع فيهم ويذمهم ويظهر العزم على الاستبدال بهم وأخذ نعمهم وأموالهم فاتفقوا عليه ليقتلوه ويقيموا عمه فبلغه ذلك فلم يكتمه بل أطلق لسانه فيهم ففارقه بعضهم وخلعه طغج بن جف أمير دمشق‏.‏

وسار القواد الذين فارقوه إلى بغداد وهم محمد بن إسحاق بن كنداجيق وخاقان المفلحي وبدر بن جف أخوطغج وغيرهم من قواد مصر فسلكوا البرية وتركوا أهاليهم وأموالهم فتاهوا أياما ومات من أصحابهم جماعة من العطش وخرجوا فوق الكوفة بمرحلتين وقدموا على المعتضد فخلع عليهم واحسن إليهم وبقي سائر الجنود بمصر على خلافهم ابن خمارويه فسألهم كاتبه علي بن أحمد الماذرائي أن ينصرفوا يومهم ذلك فرجعوا فقتل جيش عمين له وبكر الجند إليه فرمى بالراسين إليهم فهجم الجند عليه فقتلوه ونهبوا داره ونهبوا مصر وأحرقوها وأقعدوا أخاه هارون في الإمرة بعده فكانت ولايته تسعة أشهر‏.‏

  ذكر حصر الصقالبة القسطنطينية

وفي هذه السنة سارت الصقالبة إلى الروم فحصروا القسطنطينية وقتلوا من أهلها خلقًا كثيرا وخربوا البلاد فلما لم يجد ملك الروم منهم خلاصًا جمع من عنده من أسارى المسلمين وأعطاهم السلاح وسألهم معونته على الصقالبة ففعلوا وكشفوا الصقالبة وأزاحوهم عن القسطنطينية ولما رأى ملك الروم ذلك خاف المسلمين على نفسه فردهم وأخذ السلاح منهم وفرقهم في البلاد حذرًا من جنايتهم عليه‏.‏

  ذكر الفداء بين المسلمين والروم

في هذه السنة كان الفداء بين المسلمين والروم فكان جملة من فدي به من المسلمين الرجال والنساء والصبيان ألفين وخمسمائة وأربعة أنفس‏. ‏  ذكر الحرب بين عسكر المعتضد وأولاد أبي دلف وفيها سار عبيد الله بن سليمان إلى عمر بن عبد العزيز بن أبي دلف بالجبل فسار عمر إليه بالأمان في شعبان فأذعن بالطاعة فخلع عليه وعلى أهل بيته‏.‏

وكان قبل ذلك قد دخل بكر بن عبد العزيز بالأمان إلى عبيد الله بن سليمان وبدر فولياه عمل أخيه على أن يسير إليه فيحاربه فلما دخل عمر في الأمان قالا لبكر‏:‏ إن أخاك قد دخل في الطاعة وإمنا وليناك عمله على أنه عاص والمعتضد يفعل في أمركما ما يراه فامضيا إلى بابه‏.‏

وولي النوشري أصبهان وأظهر أنه من قبل عمر بن عبد العزيز فهرب بكر بن عبد العزيز فكتب عبيد الله إلى المعتضد بذلك فكتب إلى بدر ليقيم بمكانه إلى أن يعرف حال بكر‏.‏

وسار الوزير إلى علي بن المعتضد بالري ولحق بكر بن عبد العزيز بالأهواز فسير المعتضد إليه وصيف بن موشكير فسار إليه فلحقه بحدود فارس وباتا متقابلين وارتحل بكر إلى أصبهان ليلا فلم يتبعه وصيف بل رجع إلى بغداد وسار بكر إلى أصبهان فكتب المعتضد إلى بدر يأمره بطلب بكر وحربه فأمر بدر عيسى النوشري بذلك فقال بكر‏:‏ عني ملامك ليس حين ملام هيهات أجدب زائد الأيام ظأرت عنايات الصبا عن مفرقي ومضى أوان شراستي وغرامي ألقى الأحبة بالعراق عصيهم وبقيت نصب حوادث الأيام وتقاذفت بأخي النوى ورمت به رمي العبيد قطيعة الأرحام فلأقرعن صفاة دهر نابهم قرعًا يهز رواسي الأعلام ولأضربن الهام دون حريمهم ضرب القدار نقيعة القدام ولأتركن الواردين حياضهم بقرارة لمواطئ الأقدام يا بدر إنك لوشهدت مواقفي والموت يلحظ والسيوف دوامي حركتني بعد السكون وإمنا حركت من حصن جبال تهام وعجمتني فعجمت مني من حمى خشن المناكب كل يوم زحام قل للأمير أبي محمد الذي يجلوبغرته دجى الإظلام أسكنتني ظل العلا فسكنته في عيشة رغد وعز نام حتى إذا خليت عني نابني نوب أتت وتنكرت أيامي فلأشكرن جميل ما أوليتني ما غردت في الأيك ورق حمام هذا أبوحفص يدي وذخيرتي للنائبات وعدتي وسنامي ناديته فأجابني وهززته فهززت حد الصارم الصمصام من رام أن يغضي الجفون على القذى أويستكين يروم غير مرام ويخيم حين يرى الأسنة شرعًا والبيض مصلتة لضرب الهام ثم إن النوشري انهزم عن بكر فقال بكر يذكر هربه ويعير وصيفًا بالإحجام عنه ويتهدد بدرًا في أبيات منها‏:‏ قد أرى النوشري حين التقينا من إذا أشرع الرماح يفر غر بدرًا حلمي وفضل آتاني واحتمالي للعبء مما يغر سوف يأتيه من خيولي قب لاحقات البطون جون وشقر يتنادون كالسعالي عليها من بني وائل اسود تكر لست بكرًا إن لم أدعهم حديثًا ما سرى كوكب وما كر دهر

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة أمر المعتضد بالكتابة إلى جميع البلدان أن يرد الفاضل من سهام المواريث إلى ذوي الأرحام وأبطل ديوان المواريث‏.‏

وفيها في شوال مات علي بن محمد بن أبي الشوارب القاضي وكانت ولايته لقضاء بمدينة المنصور ستة أشهر‏.‏

وفيها قدم عمر بن عبد العزيز بن أبي دلف بغداد فأمر المعتضد الناس والقواد باستقباله وقعد له المعتضد فدخل عليه وأكرمه وخلع عليه‏.‏

وفيها في رمضان تحارب عمروبن الليث الصفار ورافع بن هرثمة فانهزم رافع وكان سبب ذلك أن عمرًا فارق نيسابور فخالفه إليها رافع وملكها وخطب فيها لمحمد بن زيد العلوي

فرجع عمرومن مروإلى نيسابور فحصرها فانهزم رافع منها ووجه عمروفي طلبه عسكرًا فلحقوه بطوس فانهزم منهم إلى خوارزم فلحقوه بها فقتلوه وأرسلوا رأسه إلى المعتضد فوصله سنة أربع وثمانين في المحرم أمر بنصبه ببغداد وخلع على القاصد به‏.‏

وفيها مات البحتري الشاعر واسمه الوليد بن عبادة بمنبج أوحلب وكان مولده سنة ست ومائتين‏.‏

وفيها توفي محمد بن سليمان أبوبكر المعروف بابن الباغندي وأبوالحسن علي بن العباس بن جريج الشاعر المعروف بابن الرومي وقيل‏:‏ توفي سنة أربع وثمانين وديوانه معروف رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها توفي سهل بن عبد الله بن يونس بن رفيع السري ومولده سنة مائتين وقيل ومائتين‏.‏

  حوادث سنة أربع وثمانين ومائتين

في هذه السنة كان فتنة بطرسوس بين راغب مولى الموفق وبين دميانة‏.‏

وكان سبب ذلك أن راغبًا ترك الدعاء لهارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون ودعا لبدر مولى المعتضد واختلف هووأحمد بن طوغان فلما انصرف أحمد بن طوغان من الفداء سنة ثلاث وثمانين ركب البحر ومضى ولم يدخل طرسوس وخلف دميانة بها لقيام بأمرها وأمده ابن طوغان فقوي بذلك وأنكر ما كان يفعله راغب فوقعت الفتنة فظفر بهم راغب فحمل دميانة إلى بغداد‏.‏

وفيها أوقع عيسى بن النوشري ببكر بن عبد العزيز بن أبي دلف بنواحي أصبهان فقتل رجاله واستباح عسكره ونجا بكر في نفر يسير من أصحابه فمضى إلى محمد بن زيد العلوي بطبرستان وأقام عنده إلى سنة خمس وثمانين ومات ولما وصل خبر موته إلى المعتضد أعطى القاصد به ألف دينار‏.‏

وفيها في ربيع الأول قلد أبوعمر يوسف بن يعقوب القضاء بمدينة المنصور مكان علي بن أبي الشوارب‏.‏

وفيها أخذ خادم نصراني لغالب النصراني وشهد عليه أنه شتم النبي صلى الله عليه وسلم فاجتمع أهل بغداد وصاحوا بالقاسم بن عبيد الله وطالبوه بإقامة الحد عليه فلم يفعل فاجتمعوا على ذلك إلى دار المعتضد فسئلوا عن حالهم فذكروه للمعتضد فأرسل معهم إلى القاضي أبي عمر فكادوا يقتلونه من كثرة ازدحامهم فدخل بابًا وأغلقه ولم يكن بعد ذلك للخادم ذكر ولا للعامة ذكر اجتماع في أمره‏.‏

وفيها قدم قوم من أهل طرسوس على المعتضد يسألونه أن يولي عليهم واليا وكانوا قد أخرجوا عامل ابن طولون فسير إليهم المعتضد ابن الإخشيد أميرًا‏.‏

وفيها في ربيع الآخر ظهرت بمصر ظلمة وحمرة في السماء شديدة حتى كان الرجل ينظر إلى وجه الآخر فيراه أحمد فمكثوا كذلك من العصر إلى العشاء الآخرة وخرج الناس من منازلهم يدعون الله تعالى ويتضرعون إليه‏.‏

وفيها عزم المعتضد على لعن معاوية بن أبي سفيان على المنابر وأمر بإنشاء كتاب يقرأ على الناس وهوكتاب طويل قد أحسن كتابته إلا أنه قد استدل فيه بأحاديث كثيرة على وجوب لعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تصح وذكر في الكتاب يزيد وغيره من بني أمية وعملت به نسخ قرئت بجانبي بغداد ومنع القضاة والعامة من القعود بالجامعين ورحابهما ونهى عن الاجتماع على قاض لمناظرة أوجدل في أمر الدين ونهى الذين يسقون الماء في الجامعين أن يترحموا على معاوية أويذكروه فقال له عبيد الله بن سليمان‏:‏ إنا نخاف اضطراب العامة وإثارة الفتنة فلم يسمع منه وحذره اضطراب العامة فلم يلتفت فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ فما نصنع بالطالبيين الذين يخرجون من كل ناحية ويميل إليهم خلق كثير من الناس لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا سمع الناس ما في هذا الكتاب من إطرائهم كانوا إليهم أميل وكانوا هم أبسط ألسنة وأظهر حجة فيهم اليوم‏.‏

فامسك المعتضد ولم يأمر في الكتاب بعد ذلك بشيء وكان عبيد الله من المنحرفة عن علي عليه السلام‏.‏

وفيها سير المعتضد إلى عمروبن الليث الخلع والواء بولاية الري وهدايا‏.‏

وفيها فتحت قرة من بلد الروم على بد راغب مولى الموفق وابن كلوب في رجب‏.‏

وفيها في شعبان ظهر بدار المعتضد إنسان بيده سيف فمضى إليه بعض الخدم لينظر ما هو فضربه بالسيف فجرحه وهر بالخادم ودخل الشخص في زرع البستان فتوارى فيه فطلب باقي ليلته ومن الغد فلم يعرف له خبر فاستوحش المعتضد وكثر الناس في أمره بالظنون حتى قالوا‏:‏ إنه من الجن وظهر مرارًا كثيرة حتى وكل المعتضد بسور داره وأحكمه بالظنون حتى قالوا‏:‏ ثم أحضر المجانين والمعزمين بسبب ذلك الشخص فسألهم عنه فقال المعزمون‏:‏ نحن نعزم على بعض المجانين فإذا سقط الجني عنه فاخبره خبره فعزموا على امرأة مجنونة فصرعت والمعاضد ينظر إليهم فلما صرعت أمرهم بالانصراف‏.‏

وفيها وجه كرامة بن مر من الكوفة بقوم مقيدين ذكر أنهم من القرامطة فقروا بالضرب فأقروا على أبي هاشم بن صدقة الكاتب أنه منهم فقبض عليه وحبسه‏.‏

وفيها وثب الحارث بن عبد العزيز بن أبي دلف المعروف بأبي ليلى بشفيع الخادم فقتله وكان أخوه عمر بن عبد العزيز قد أخذه وقيده وحبسه في قلعته زر ووكل به شفيعًا الخادم ومعه جماعة من غلمان عمر فلما استأمن عمر إلى المعتضد وهرب بكر بقيت القلعة بما فيها من الأموال بيد شفيع فكلمه أبوليلى في إطلاقه فلم يفعل وطلب من غلام كان يخدمه مبردا فادخله في الطعام فبرد مسمار قيده‏.‏

وكان شفيع في كل ليلة يأتي إلى أبي ليلى يفتقده ويمضي ينام وتحت رأسه سيف مسلول فجاء شفيع في ليلة إليه فحادثه فطلب منه أن يشرب معه أقداحا وقام الخادم لحاجته فجعل أبوليلى في فراشه ثيابًا تشبه إنسانًا نائما وغطاها باللحاف وقال لجارية كانت تخدمه‏:‏ إذا عاد شفيع قولي له هونائم‏.‏

ومضى أبوليلى فاختفى ظاهر الدار وقد اخرج قيده من رجله فلما عاد شفيع قالت له الجارية‏:‏ هونائم‏!‏ فأغلق الباب ومشى إلى داره ونام فيها‏.‏

فخرج أبوليلى وأخذ السيف من عند شفيع وقتله فوثب الغلمان فقال لهم أبوليلى‏:‏ قد قتلت شفيعا ومن تقدم إلي قتلته فأنتم آمنون‏!‏ فخرجوا من الدار واجتمع الأنس إليه فكلمهم ووعدهم الإحسان وأخذ عليهم الإيمان وجمع الأكراد وغيرهم وخرج مخالفًا على المعتضد وكان قتل شفيع في ذي القعدة‏.‏

ولما خرج أبوليلى على اللطان قصده عيسى النوشري فاقتتلوا فأصاب أبا ليلى في حلقه سهم وفيها كان المنجمون يوعدون بغرق أكثر الأقاليم إلا إقليم بابل فإنه يسلم منه اليسير وأن ذلك يكون بكثرة الأمطار وزيادة الأنهار والعيون فقحط الناس وقلت الأمطار وغارت المياه حتى احتاج الناس إلى الاستسقاء فاستسقوا ببغداد مرات‏.‏

وفيها ظهر اختلال حال هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون بمصر واختلفت القواد وطمعوا فانحل النظام وتفرقت الكلمة ثم اتفقوا على أن جعلوا مدير دولته أبا جعفر بن أبا وكان عند والده وجده مقدما كبير القدر فأصلح من الأحوال ما استطاع وكم جهد الصناع إذ اتسع الخرق وكان من بدمشق من الجند قد خالفوا على أخيه جيش كما ذكرنا فلما تولى أبوجعفر الأمور سير جيشًا إلى دمشق عليهم بدر الحمامي والحسين بن أحمد الماذرائي فأصلحا حالها وقررا أمور الشام واستعملا على دمشق طغج بن جف واستعملا على سائر الأعمال ورجعا إلى مصر والأمور فيها اختلال والقواد قد استولى كل واحد منهم على طائفة من الجند وأخذهم إليه وهكذا يكون انتقاض الدول وإذا أراد الله أمرًا فلا مرد لحكمه وهوسريع الحساب‏.‏

وفيها توفي إسحاق بن موسى بن عمران أبويعقوب الاسفرايني الفقيه الشافعي والغياثي واسمه عبد العزيز بن معاوية من ولد غياث بن أسيد بفتح الهمزة وكسر السين‏.‏

  حوادث سنة خمس وثمانين ومائتين

فيها قطع صالخ بن مدرك الطائي الطريق على الحاج بالأجفر في المحرم فحاربه حبي الكبير وهوأمير القافلة فلم يقوبه وبمن معه من الأعراب وظفر بالحج ومن معه بالقافلة فأخذوا ما كان فيها من الأموال والتجارات وأخذوا جماعة من النساء والجواري والمماليك فكانت قيمة ما أخذوه ألفي ألف دينار‏.‏

وفيها ولي عمروبن الليث ما وراء النهر وعزل إسماعيل بن أحمد‏.‏

وفيها كان بالكوفة ريح صفراء فبقيت إلى المغرب ثم اسودت فتضرع الناس ثم مطروا مطرًا شديدًا برعود هائلة وبروق متصلة ثم سقط بعد ساعة بقرية تعرف بأحمداباذ ونواحيها أحجار بيض وسود مختلة الألوان في أوساطها طبق وحمل منها إلى بغداد فرآه الناس‏.‏

وفيها سار فاتك مولى المعتضد إلى الموصل لينظر في أعمالها وأعمال الجزيرة والثغور الشامية والجزرية وإصلاحها مضافًا إلى ما كان يتقلده من البريد بها‏.‏

وفيها كان بالبصرة ريح صفراء ثم عادت خضراء ثم سوداء ثم تتابعت الأمطار بما لم يروا مثله ثم وقع برد كبار وزن البردة مائة وخمسون درهمًا فيما قيل‏.‏

وفيها ولى المعتضدمحمد بن أبي الساج أعمال أذربيجان وأرمينية وكان قد تغلب عليها وخالف وبعث إليه بخلع‏.‏

وفيها غزا راغب مولى الموفق في البحر فغمن مراكب كثيرة فضرب أعناق ثلاثة آلاف من الروم كانوا فيهأن وأحرق المراكب وفتح حصونًا كثيرة وعاد سالمًا ومن معه‏.‏

وفيها توفي أحمد بن عيسى بن الشيخ وقام بعده ابنه محمد بآمد وما يليها على سبيل التغلب فسار المعتضد إلى آمد بالعساكر ومعه ابنه أبومحمد علي المكتفي في ذي الحجة وجعل طريقه على الموصل فوصل آمد وحصرها إلى ربيع الآخر من سنة ست وثمانين ومائيتن ونصب عليها المجانيق فأرسل محمد بن أحمد بن عيسى يطلب الأمان لنفسه ولمن معه ولأهل البلد فأمنهم المعتضد فخرج إليه وسلم البلد فخلع عليه المعتضد وأكرمه وهدم سورها‏.‏

ثم بلغه أن محمد بن الشيخ يريد الهرب فقبض عليه وعلى آله‏.‏

وفيها وجه هارون بن خمارويه إلى المعتضد ليسأله أن يقاطعه على ما في يده ويد نوابه من مصر والشام ويسلم أعمال قنسرين إلى المعتضد ويحمل كل سنة أربع مائة ألف وخمسين ألف دينار وفأجابه إلى ذلك وسار من آمد واستخلف فيها ابنه المكتفي ووصل إلى قنسرين والعواصم فتسلمها من أصحاب هارون وكان ذلك سنة ست وثمانين ومائيتن‏.‏

وفيها غزا ابن الأخشيد بأهل طرسوس فتح اله على يديه وبلغ إسكندرون وحج بالناس محمد بن عبد الله بن داود الهاشمي‏.‏

وفيها توفي إبراهيم بن إسحاق الحربي ببغداد وهومن أعيان المحدثين وإسحاق بن إبراهيم الديري صاحب عبد الرزاق بصنعاء وهوآخر من روى عن عبد الرزاق‏.‏

الدبري بفتح الدال المهملة والباء الموحدة وبعدها راء‏.‏

وفيها توفي أبوالعباس محمد بن يزيد الأزدي اليماني الخوي المعروف بالمبرد وكان قد أخذ النحوعن أبي عثمان المازني‏.‏

 حوادث سنة ست وثمانين ومائيتن

وفي هذه السنة وجه محمد بن أبي الساج المعروف بأبي المسافر إلى بغداد برهينة بما ضمن من الطاعة والمناصحة ومعه هدايا جليلة‏.‏

وفيها أرسل عمروبن الليث هدية إلى المعتضد من نيسابور فكانت قيمتها أربعة آلاف درهم‏.‏

  ذكر ابتداء أمر القرامطة بالبحرين

وفيها ظهر رجل من القرامطة يعرف بأبي سعيد الجنابي بالبحرين فاجتمع إليه جماعة من

الأعراب والقرامطة وقوي أمره فقتل ما حوله من أهل القرى ثم سار إلى القطيف فقتل ممن بها واظهر أنه يريد البصرة فكتب أحمد بن محمد بن يحيى الواثقي وكان متولي البصرة إلى المعتضد بذلك فأمره بعمل سورة على البصرة وكان مبلغ الخرج عليه أربعة عشر ألف دينار‏.‏

وكان ابتداء القرامطة بناحية البحرين أن رجلًا يعرف بيحيى بن المهدي قصد القطيف فنزل على رجل يعرف بعلي بن المعلي بن حمدان مولى الزياديين وكان مغاليًا في التشيع فاظهر له يحيى أنه رسول المهدي وكان ذلك سنة إحدى وثمانين ومائتين وذكر أنه خرج إلى شيعته في البلاد يدعوهم إلى أمره وأن ظهوره قد قرب فوجه علي بن المعلي إلى الشيعة من أهل القطيف فجمعهم وأقرأهم الكتاب الذي مع يحيى بن المهدي إليهم من المهدي فأجابوه وأنهم خارجون معه إذا اظهر أمره ووجه إلى سائر قرى البحرين بمثل ذلك فأجابوه‏.‏

وكان فيمن أجابه أبوسعيد الجنابي وكان يبيع للناس الطعام ويحسب لهم بيعهم ثم غاب عنهم يحيى بن المهدي مدة ثم رجع معه كتاب يزعم أنه من المهدي إلى شيعته فيه‏:‏ قد عرفني رسولي يحيى بن امهدي مسارعتكم إلى أمري فليدفع إليه كل منكم ستة دنانير وثلثين ففعلوا ذلك‏.‏

ثم غاب عنهم وعاد ومعه كتاب فيه‏:‏ أن ادفعوا إلى يحيى خمس أموالكم فدفعوا إليه الخمس وكان يحيى يتردد في قبائل قيس ويورد إليهم كتبًا يزعم أنها من المهدي وأنه ظاهر فكونوا على أهبة‏.‏

وحكى إنسان منهم يقال له إبراهيم الصائغ أنه كان عند أبي سعيد الجنابي وأتاه يحيى فأكلوا طعامأن فلما فرغوا خرج أبوسعيد من بيته وأمر امرأته أن تدخل إلى يحيى وأن لا تمنعه إن أراد فانتهى هذا الخبر إلى الوالي فأخذ يحيى فضربه وحلق رأسه ولحيته وهرب أبوسعيد الجنابي إلى جنابأن وسار يحيى بن المهدي إلى بني كلاب وعقيل والخريس فاجتمعوا معه ومع أبي سعيد فعظم أمر أبي سعيد وكان منه ما يأتي ذكره‏.‏

  ذكر عدة حوادث

وفيها سار المعتضد من آمد بعد أن ملكها كما ذكرناه إلى الرقة فولى ابنه عليًا المكتفي قنسرين والعواصم والجزيرة وكاتبه النصراين واسمه الحسين بن عمرو فكان ينظر في الأموال فقال الخليع في ذلك‏:‏ حسين ن عمروعدوالقرآن يصنع في العرب ما يصنع يقوم لهيبته المسلمون صفوفًا لفرد إذا يطلع وفيها توفي ابن الإخشيد أمير طرسوس واستخلف أبا ثابت على طرسوس‏.‏

وفيها سار إلى الأنبار جماعة أعراب من بني شيبان وأغاروا على القرى وقتلوا من لحقوا من الناس وأخذوا المواشي فخرج إليهم أحمد بن محمد بن كمشجور متوليها فلم يطقهم فكتب إلى المعتضد بذلك فأمده بجيش فأدركوا الأعراب وقاتلوهم فهزمهم الأعراب وقتلوا فيهم وغرق أكثرهم وتفرقوا وعاث الأعراب في تلك الناحية‏.‏

وبلغ خبر الهزيمة إلى المعتضد فسير جيشًا آخر فرحل الأعراب إلى عين التمر فأفسدوا وعاثوا وذلك في شعبان وشهر رمضان فوجه إليهم عسكرًا آخر إلى عين التمر فسلكوا البرية إلى نواحي الشام فعاد العسكر إلى بغداد ولم يلقهم‏.‏

وفيها استدعى المعتضد راغبًا مولى الموفق من طرسوس فقدم عليه وهوبالرقة فحبسه وأخذ جميع ما كان له فمات بعد أيام من حبسه وكان ذلك في شعبان وقبض على بكنون غلام راغب وأخذ ما له بطرسوس‏.‏وفيها قلد المعتضد ديوان المشرق محمد بن داود بن الجراح وعزل عنه أحمد بن محمد بن الفرات وقلد ديوان المغرب علي بن عيسى بن داود ابن الجراح‏.‏

وفيها توفي أبوجعفر بن إبراهيم الأمناطي المعروف بمربع صاحب يحيى بن معين وكان حافظًا لحديث ومحمد بن يونس الكريمي البصري‏.‏

  ذكر قتل أبي ثابت أمير طرسوس وولاية ابن الأعرابي

في هذه السنة اجتمعت الروم وحشدت في ربيع الآخر ووافت باب قلمية من طرسوس فنفر أبوثابت أمير طرسوس بعد كوت ابن الإخشيد وكان استخلفه عند موته فبلغ أبوثابت في نفيره إلى نهر الرجان في طلبهم فاسر أبوثابت وأصيب الناس معه‏.‏

وكان ابن كلوب غازيًا في ردب السلامة فلما عاد جمع مشايخ الثغر ليتراضوا بأمير فأجمعوا رأيهم على ابن الأعرابي فولوه أمرهم وذلك في ربيع الآخر من هذه السنة‏.‏

  ذكر ظفر المعتضد بوصيف ومن معه

في هذه السنة هرب وصيف خادم محمد بن أبي الساج من برذعة إلى ملطية من أعمال مولاه وكتب إلى المعتضد يسأله أن يوليه الثغور فأخذ رسله وقررهم عن سبب مفارقة وصيف مولاه فذكروا له أنه فارقه على مواطأة منهما أنه متى ولي وصيف الثغور سار إليه مولاه وقصدا ديار مصر وتغلبا عليها‏.‏

فسار المعتضد نحوه فنزل العين السوداء وأراد الرحيل في طريق المصيصة فأتته العيون

فأخبروه أن وصيفًا يريد عين زربة فسأل أهل المعرفة بذلك الطريق وسألهم عن أقرب الطرق إلى لقاء وصيف فأخذوه وساروا به نحوه وقدم جمعًا من عسكره بين يديه فلقوا وصيفًا فقاتلوه وأخذوه أسيرا فأحضروه عند المعتضد فحبسه وأمر فنودي في أصحاب وصيف بالأمان وأمر العسكر برد ما نهبوه منهم ففعلوا ذلك‏.‏

وكانت الوقعة لثلاث عشرة بقيت من ذي القعدة فلما فرغ منه رحل إلى المصيصة واحضر رؤساء طرسوس فقبض عليهم لأنهم كاتبوا وصيفا وأمر بإحراق مراكب طرسوس التي كانوا يغزون فيها وجميع آلاتها وكان من جملتها نحومن خمسين مركبًا قديمة قد أنفق عليها من الأموال ما لا يحصى ولا يمكن عمل مثلها فأضر ذلك المسلمين وفت في أعضادهم وأمر الروم أن يغزوا في البحر وكان إحراقها بإشارة دميانة غلام بازمار لشيء كان في نفسه على أهل طرسوس واستعمل على أهل الثغور الحسن بن علي كورة وسار المعتضد إلى أنطاكية وحلب وغيرهمأن وعاد إلى بغداد‏.‏

وفيها توفيت ابنة خمارويه زوج المعتضد‏.‏

  ذكر أمر القرامطة وانهزام العباس الغنوي منهم في هذه السنة في ربيع الآخر عظم أمر القرامطة بالبحرين وأغاروا على نواحي هجر وقرب بعضهم من نواحي البصرة فكتب أحمد الواثقي يسأل المدد فسير إليه سميريات فيها ثلاثمائة رجل وأمر المعتضد باختيار رجل ينفذه إلى البصرة وعزل العباس بن عمرواللغوي عن بلاد فارس وأقطعه اليمامة والبحرين وأمره بمحاربة القرامطة وضم إليه زهاء ألفي رجل فسار إلى البصرة واجتمع إليه جمع كثير من المتطوعة والجند والخدم‏.‏

ثم سار إلى أبي سعيد الجنابي فلقوه مساء وتناوشوا القتال وحجز بينهم الليل فلما كان الليل انصرف عن العباس من كان معه من أعراب بني ضبة وكانوا ثلاثمائة إلى البصرة وتبعهم مطوعة البصرة فلما أصبح العباس باكر الحرب فاقتتلوا قتالًا شديدا ثم حمل نجاح غلام أحمد بن عيسى بن الشيخ من ميسرة العباس في مائة رجل على ميمنة أبي سعيد فتوغلوا فيهم فقتلوا عن آخرهم وحمل الجنابي ومن معه على أصحاب العباس فانهزموا وأسر العباس واحتوى الجنابي على ما كان في عسكره فلما كان من الغد أحضر الجنابي الأسرى فقتلهم جميعًا وحرقهم وكانت الوقعة آخر شعبان‏.‏

ثم سار الجنابي إلى هجر بعد الوقعة فدخلها وأمن أهلهأن وانصرف من سلم من المنهزمين وهم قليل نحوالبصرة بغير زاد فخرج إليهم من البصرة نحوأربعمائة رجل على الرواحل ومعهم

الطعام والكسوة والماء فلقوا بها المنهزمين فخرج عليهم بنوأسد وأخذوا الرواحل وما عليهأن وقتلوا من سلم من المعركة فاضطربت البصرة لذلك وعزم أهلها على الانتقال منها فمنعهم الواثقي‏.‏

وبقي العباس عند الجنابي أيامًا ثم أطلقه وقال له‏:‏ امض إلى صاحبك وعرفه ما رأيت وحمله على رواحل فوصل إلى بعض السواحل وركب البحر فوافى الأبلة ثم سار منها إلى بغداد فوصلها في رمضان فدخل على المعتضد فخلع عليه‏.‏

بلغني أن عبيد الله بن عبد الله بن طاهر قال‏:‏ عجائب الدنيا ثلاث‏:‏ جيش العباس بن عمرو يؤسر وحده وينجووحده ويقتل جميع جيشه وجيش عمروبن الصفار يؤسر وحده ويسلم جميع جيشه وأنا أنزل في بيتي وتولى ابني أبوالعباس الجسرين ببغداد‏.‏

ولما أطلق أبوسعيد العباس أعطاه درجًا ملصقًا وقال له‏:‏ أوصله إلى المعتضد فإن لي فيه أسرارًا‏.‏

فلما دخل العباس على المعتضد عاتبه المعتضد فأوصل إليه العباس الكتاب فقال‏:‏ والله ليس فيه شيء وإمنا أراد أن يعلمني أني أنفذتك إليه في العدد الكثير فردك فردتً وفتح الكتاب وإذ ليس فيه شيء‏.‏

وفيها في ذي القعدة أوقع بدر غلام الطائي بالقرامطة على غرة منهم فنواحي ميسن

وغيرهما وقتل منهم مقتلة ثم تركهم خوفًا أن تخرب السواد وكانوا فلاحية وطلب رؤساءهم فقتل من ظفر به منهم‏.‏

  ذكر أسر عمرو الصفار وملك إسماعيل خراسان

في هذه السنة في ربيع الأول أسر عمروبن الليث الصفار وكان سبب ذلك أن عمرًا أرسل إلى المعتضد برأس رافع بن هرثمة وطلب منه أن يوليه ما وراء النهر فوجه إليه الخلع والواء بذلك وهوبنيسابور فوجه لمحاربة إسماعيل بن أحمد الساماني صاحب ما وراء النهر محمد بن بشير وكان خليفته وحاجبه وأخص أصحابه بخدمته وأكبرهم عنده وغيره من قواده إلى آمل فعبر إليهم إسماعيل جيجون فحاربهم فهزمهم وقتل محمد بن بشير في نحوستة آلاف رجل‏.‏

وبلغ المنهزمون إلى عمرو وهو بنيسابور وعاد إسماعيل إلى بخارى فتجهز عمرولقصد إسماعيل فأشار عليه أصحابه بإنفاذ الجيوش ولا يخاطر بنفسه فلم يقبل منهم وسار عن نيسابور نحوبلخ فأرسل إليه إسماعيل‏:‏ أنك قد وليت دنيا عريضة وأما في يدي ما وراء النهر

وأنا في يغر فاقنع بما في يدك واركني في هذا الثغر‏.‏

فأبى فذكر لعمرووأصحابه شدة العبور بنهر بلخ فقال‏:‏ لوشئت أن أسكره ببذر الأموال واعبره لفعلت‏.‏فسار إسماعيل نحوه وعبر النهر إلى الجانب الغربي وجاء عمروفنزل بلخ وأخذ إسماعيل عليه النواحي لكثرة جمعه وصار عمروكالمحاصر وندم على ما فعل وطلب المحاجزة فأبى إسماعيل عليه فاقتتلوا فلم يكن بينهم كثير قتال حتى انهزم عمروفولى هاربا ومر بأجمة في طريقه فقيل له‏:‏ إنها أقرب الطرق فقال لعامة من معه‏:‏ امضوا في الطريق الواضح وسار هوفي نفر يسير فدخل الأجمة فوحلت به دابته فلم يكن له في نفسه حيلة ومضى من معه ولم يعرجوا عليه وجاء أصحاب إسماعيل فأخذوه أسيرا فسيره إسماعيل إلى سمرقند‏.‏

ولما وصل الخبر إلى المعتضد ذم عمرًا ومدح إسماعيل ثم إن إسماعيل خبير عمرًا بين مقامه عنده أو إنفاذه إلى المعتضد فاختار المقام عند المعتضد فسيره إليه فوصل إلى بغداد سنة ثمان وثمانين ومائتين فلما وصل ركب على جمل وأدخل بغداد ثم حبس فبقي محبوسًا حتى قتل سنة تسع وثمانين على ما نذكره‏.‏

وأرسل المعتضد إلى إسماعيل بالخلع وولاه ما كان بيد عمرو وخلع على نائبه بالحضرة المعروف بالمرزباني واستولى إسماعيل على خراسان وصارت بيده‏.‏

وكان عمروأعور شديد السمرة عظيم السياسة قد منع أصحابه وقواده أن يضرب أحد منهم غلامًا إلا بأمره أويتولى عقوبة الغلام نائبه أوأحد حجابه وكان يشتري المماليك الصغار ويربيهم ويهبهم لقواده ويجري عليهم الجرايات الحسنة سرا ليطالعوا بأحوال قواده ولا ينكتم عنه من أخبارهم شيء ولم يكونوا يعلمون من ينقل إليه عنهم فكان أحدهم يحذره وهووحده‏.‏

حكي عنه أنه كان له عامل بفارس يقال له أبوحصين فسخط عليه بمرو وألزمه أن يبيع أملاكه ويوصل ثمنها إليه ففعل ذلك ثم طلب منه مائة ألف درهم فإن أداها في ثلاثة أيام وإلا قتله فلم يقدر على شيء منها فأرسل إلى أبي سعيد الكاتب يطلب منه أن يجتمع به فأذن له فاجتمع به وعرفه ضيق يده وسأله أن يضمنه ليخرج من محبسه ويسعى في تحصيل المبلغ المطلوب منه ففعل وأخرجه فلم يفتح عليه بشيء فعاد إلى أبي سعيد الكاتب فبلغ خبره عمرا فقال‏:‏ والله ما أدري من أيهما أعجب من أبي سعيد فيما فعل من بذل مائة ألف درهم أم من أي حصين كيف عاد وقد علم أنه القتل‏!‏ ثم أمر بإطلاق ما عليه ورده إلى منزله‏.‏

وحكي عنه أنه كان يحمل أحمالًا كثيرة من الجرب ولا يعلم أحد ما مراده فاتفق في بعض السنين أنه قصد طائفة من العصاة عليه للإيقاع بهم فسلك طريقًا لا تظن العصاة أنهم يؤتون منه وكان في طريقه واد فأمر بتلك الجرب فملئت ترابًا وحجارا ونضد بعضها إلى بعض وجعلها وحكي أيضًا أن أكفر حجابه كان اسمه محمد بن بشير وكان يخلفه في كثير من أموره العظام فدخل عليه يوما وأخذ يعدد عليه ذنوبه فحلف محمد بالله والطلاق والعتق أنه لا يملك إلا خمسين بدرة وهويحملها إلى الخزانة ولا يجعل له ذنبًا لم يعلمه فقال عمرو‏:‏ ما أعقلك من رجل‏!‏ احملها إلى الخزانة فحملها فرضي عنه وما أقبح هذا من فعل وشره إلى أموال من أذهب عمره في خدمته‏!‏

  ذكر قتل محمد بن زيد العلوي

في هذه السنة قتل محمد بن زيد العلوي صاحب طبرستان والديلم‏.‏

وكان سبب قتله أنه لما اتصل به أسر عمروبن الليث الصفار خرج من طبرستان نحوخراسان ظنًا منه أن إسماعيل الساماني لا يتجاوز عمله ولا يقصد خراسان وانه لا دافع له عنها‏.‏

فلما سار إلى جرجان أرسل إليه إسماعيل وقد استولى على خراسان يقول له‏:‏ الزم عملك ولا تتجاوز عمله ولا تقصد خراسان وترك جرجان له فأبى ذلك محمد فندب إليه إسماعيل بن أحمد محمد بن هارون ومحمد هذا كان يخلف رافع بن هرثمة أيام ولايته خراسان فجمع محمد جمعًا كثيرًا من فارس وراجل وسار نحومحمد بن زيد فالتقوا على باب جرجان

فاقتتلوا قتالًا شديدأن فانهزم محمد بن هارون أولًا ثم رجع وقد تفرق أصحاب محمد بن زيد في الطلب فلما رأوه قد رجع إليهم ولوا هاربين وقتل منهم بشر كثير وأصابت ابن زيد ضربات وأسر ابنه زيد وغمن ابن هارون عسكره وما فيه ثم مات محمد بن زيد بعد أيام من جراحاته التي أصابته فدفن على باب جرجان‏.‏

وحمل ابنه زيد بن محمد إلى إسماعيل بن احمد فأكرمه ووسع في الإنزال عليه وأنزله بخارى وسار محمد ين هارون إلى طبرستان‏.‏

وكان محمد بن زيد فاضلأن أديبأن شاعرأن عارفأن حسن السيرة قال أبوعمر الأسترباذي‏:‏ كنت أورد على محمد بن زيد أخبار العباسيين فقلت له‏:‏ إنهم قد لقبوا أنفسهم فإذا ذكرتهم عندك أسميهم أوألقبهم فقال‏:‏ الأمر موسع عليك سمهم ولقبهم بأحسن ألقابهم وأسمائهم وأحبها إليهم‏.‏

وقيل‏:‏ حضر عنده خصمان أحدهما اسمه معاوية والآخر اسمه علي فقال‏:‏ الحكم بينكما ظاهر فقال معاوية‏:‏ إن تحت هذين الاسمين خبرأن قال محمد‏:‏ وما هو قال‏:‏ إن أبي كان من صادقي الشيعة فسماني معاوية لينفي شر النواصب وإن أبا هذا كان ناصبيأن فسماع عليًا خوفًا من العلوية والشيعة فتبسم إليه محمد واحسن إليه وقربه‏.‏

وقيل‏:‏ استأذن عليه جماعة من أضراء الشيعة وقرائهم فقال‏:‏ ادخلوا فإنه لا يحبنا كل كسير وأعور‏.‏

  ذكر ولاية أبي العباس صقلية

كان إبراهيم ابن الأمير أحمد أمير إفريقية قد استعمل على صقلية أبا مالك أحمد بن عمر بن عبد الله فاستضعفه فولى بعده ابنه أبا العباس بن إبراهيم ابن أحمد بن الأغلب فوصل إليها غرة شعبان من هذه السنة في مائة وعشرين مركبًا وأربعين حربي وحصر طرابلس‏.‏

واتصل خبره بعسكر المسلمين بمدينة بلرم وهم يقاتلون أهل جرجنت فعادوا إلى بلرم وأرسلوا جماعة من شيوخهم إليه بطاعتهم واعتذروا من قصدهم جرجنت ووصل إليه جماعة من أهل جرجنت وشكوا منهم واخبروه أنهم خالفون عليه وانهم إمنا سيروا مشايخهم خديعة ومكرأن وأنهم لا إيمان لهم ولا عهد وإن شئت أن تعلم مصداق هذا فاطلب إليك منهم فلانًا وفلانًا‏.‏

فأرسل إليهم يطلبهم فامتنعوا من الحضور عنده وخالفوا عليه واظهروا ذلك فاعتقل الشيوخ الواصلين إليه منهم واجتمع أهل بلرم وساروا إليه منتصف شعبان ومقدمهم مسعود الباجي

وأمير السفهاء منهم ركموية وصحبهم ثم أسطول في البحر نحوثلاثين قطعة فهاج البحر على الأسطول فعطب أكثره وعاد الباقي إلى بلرم‏.‏

وأما العسكر الذين في البر فإنهم وصلوا إليه وهوعلى طرابلس فاقتتلوا أشد قتال فقتل من الفريقين جماعة وافترقوا ثم عاودوا القتال في الثاني والعشين فانهزم أهل بلرم وقت العصر وتبعهم أبوالعباس إلى بلرم برًا وبحرًا فعاودوا قتاله عاشر رمضان من بكرة إلى العصر فانهزم أهل البلد ووقع القتل فيهم إلى المغرب واستعمل أبوالعباس على أرباضهأن ونهبت الأموال وهرب كثير من الرجال والنساء إلى طبرمين وهرب ركمويه وأمثاله من رجال الحرب إلى بلاد النصرانية كالقسطنطينية وغيرهأن وملك أبوالعباس المدينة ودخلهأن وأمن أهلهأن وأخذ جماعة من وجوه أهلها فوجههم إلى أبيه بإفريقية‏.‏

ثم رحل إلى طبرمين فقطع كرومها وقاتلهم ثم رحل إلى قطانية فحصرهأن فلم ينل منها غرضأن فرجع إلى المدينة وأقام إلى أد دخلت سنة ثمان وثمانين ومائتين فتجهز للغزو وطاب الزمان وعمر الأسطول وسيره أول ربيع الآخر ونزل على دمنش ونصب عليها المجانيق وأقام أيامًا‏.‏

ثم انصرف إلى مسيني وجاز في الحربية إلى ريو وقد اجتمع بها كثير من الروم فقاتلهم على

باب المدينة وهزمهم وملك المدينة بالسيف في رجب وغمن من الذهب والفضة ما لأحد وشحن المراكب بالدقيق والأمتعة ورجع إلى مسيني وهدم سورهأن ووجد بها مراكب قد وصلت من القسطنطينية فأخذ منها ثلاثين مركبًا ورجع إلى المدينة وأقام إلى سنة تسع وثمانين فأتاه كتاب أبيه إبراهيم يأمره بالعود إلى إفريقية فرجع إليها جريدة في خمس قطع شواني وترك العسكر مع ولديه أبي مضر وأبي معد‏.‏

فلما وصل إلى إفريقية استخلفه أبوه بها وسار هوإلى صقلية مجاهدا عازمًا على الحج بعد الجهاد فوصلها في رجب سنة سبع وثمانين ومائتين وقد ذكرنا خبره سنة إحدى وستين ومائتين‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة جمعت طي من قدرت عليه من الأعراب وخرجوا على قفل الحاج فواقعوهم بالمعدن وقاتلوهم يومين بين الخميس والجمعة لثلاث بقين من ذي الحجة فانهزم العرب وقتل كثير وسلم الحاج‏.‏

وفيها مات إسحاق بن أيوب بن أحمد بن عمر بن الخطاب العدوي عدي ربيعة أمير ديار

وفيها توفيت قطر الندى ابنة خمارويه بن احمد بن طولون صاحب مصر وهي امرأة المعتضد‏.‏

وحج بالناس هذه السنة محمد بن عبد الله بن داود‏.‏

وفيها استعمل المعتضد عيسى النوشري وهوأمير أصبهان على بلاد فارس وأمره بالمسير إليه‏.‏

وفيها توفي فهد بن أحمد فهد الأزدي الموصلي وكان من الأعيان وعلي بن عبد العزيز البغوي توفي صاحب أبي عبيد القاسم ابن سلام بالتشديد‏.‏

  حوادث سنة ثمان وثمانين ومائتين

في هذه السنة وقع الوباء بأذربيجان فمات منه خلق كثير إلى أن فقد الناس ما يكفنون به الموتى وكانوا يتركونهم على الطرق غير مكفنين ولا مدفنين‏.‏

وفيها توفي محمد بن أبي الساج بأذربيجان في الوباء الكثير المذكور فاجتمع أصحابه فولوا ابنه ديوداد واعتزلهم عمه يوسف بن أبي الساج مخالفًا لهم فاجتمع إليه نفر يسير فأوقع بابن أخيه ديوداد وهوعسكر أبيه فهزمه وعرض عليه يوسف المقام معه فأبى وسلك طريق الموصل إلى بغداد وكان ذلك في رمضان‏.‏

وفيها في صفر دخل طاهر بن محمد بن عمروبن الليث بلاد فارس في عسكره وأخرجوا عنها عامل الخليفة فكتب الأمير إسماعيل بن أحمد الساماني إلى طاهري ذكر له أن الخليفة المعتضد قد ولاه سجستان وأنه سائر إليها فعاد طاهر لذلك‏.‏

وفيها ولى المعتضد مولاه يدرًا فارس وأمره بالشخوص إليها لما بلغه أن طاهرًا تغلب عليهأن فسار إليها في جيش عظيم في جمادى الآخرة فلما قرب من فارس تنحى عنها من كان بها من أصحاب طاهر فدخلها بدر وجبى خراجهأن وعاد طاهر إلى سجستان كما ذكرناه من مراسلة إسماعيل الساماني إليه بأنه يريد يقصد سجستان‏.‏

وفيها تغلب بعض العلويين على صنعاء فقصده بنويعفر في جمع كثير فقاتلوه فهزموه ونجا هاربًا في نحوخمسين فارسأن وأسروا ابنًا له ودخلها بنويعفر وخطبوا فيها للمعتضد‏.‏

وفيها سير الحسين بن علي كورة صاحبه نزار بن محمد إلى صائفة الروم فغزا وفتح حصونًا كثيرة للروم وعاد ومعه الأسرى ثم إن الروم ساروا في البر والبحر إلى ناحية كيسوم فأخذوا من المسلمين أكثر من خمسة عشر ألفًا وعادوا‏.‏

وفيها قرب أصحاب أبي سعيد الجنابي من البصرة فخاف أهلهأن وهموا بالهرب منهم فمنعهم من ذلك واليهم‏.‏

وفيهأن في ذي الحجة قتل وصيف خادم ابن أبي الساج وصلبت جثته ببغداد وقيل إنه مات

وفيهأن في ربيع الآخر توفي عبيد الله بن سليمان الوزير فعظم موته على المعتضد وجعل ابنه أبا الحسين بن عبيد الله بعد أبيه في الوزارة‏.‏

وفيها توفي إبراهيم وبشر بن موسى الأسدي وهومن الحفاظ للحديث‏.‏

وفيها في صفر توفي ثابت بن قرة بن سنان الصابي الطبيب المشهور ومعاذ بن المثنى‏.‏

 حوادث سنة تسع وثمانين ومائتين

  ذكر أخبار القرامطة بالشام

في هذه السنة ظهر بالشام رجل من القرامطة وجمع جموعًا من الأعراب وأتى دمشق وأميرها طغج بن جف من قبل هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون وكانت بينهما وقعات‏.‏وكان ابتداء حال هذا القرمطي أن زكرويه بن مهرويه الذي ذكرنا أنه داعية قرمط هذا لما رأى أن الجيوش من المعتضد متتابعة إلى من بسواد الكوفة من القرامطة فإن القتل قد أبادهم سعي باستغواء من قرب من الكوفة عن الأعراب‏:‏ أسد وطي وغيرهم فلم يجبه منهم أحد فأرسل أولاده إلى كلب بن وبرة فاستعوزهم فلم يجبهم منهم إلا الفخذ المعروف ببني العليص بن ضمضم بن عدي بن خباب ومواليهم خاصة فبايعوا في سنة تسع وثمانين ومائتين بناحية

السماوة ابن زكرويه المسمى بيحيى المكنى أبا القاسم فلقبوه الشيخ وزعم أنه محمد بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وقيل‏:‏ لم يكن لمحمد بن إسماعيل ولد اسمه عبد الله وزعم أن له بالبلاد مائة ألف تابع وأن ناقته التي يركبها مأمورة فإذا تبعوها في مسيرها نصروا وأظهر عضدًا له ناقصة وذكراه ابنه وأتاه جماعة من بني الأصبع وسموا الفاطميين ودانوا بدينه فقصدهم شبل غلام المعتضد من ناحية الرصافة فاغتروه فقتلوه وأحرقوا مسجد الرصافة واعترضوا كل قرية اجتازوا بها حتى بلغوا هارون بن خمارويه التي قوطع عليها طغج بن جف فأكثروا القتل بها والغارة فقاتلهم طغج فهزموه غير مرة‏.‏